
تاريخ النشر:
August 23, 2025 at 03:13 PM
13
/ مستشفى الأهلي العربي (المعمداني)
غزة
-الزيتون
١٧ أكتوبر ٢٠٢٣

471+

342+

0+
في مساءٍ يثقل صدره الحصار، تحوّل **ساحة مستشفى الأهلي العربي (المعمداني)** في **حي الزيتون، مدينة غزة**، إلى ملاذٍ أخير لمئات العائلات النازحة. كانت الردهات المزدحمة تحمل وجوهًا متعبة، أطفالًا يتشبّثون بأمهاتهم، وشيوخًا يتهامسون بالدعاء في زوايا مظلمة. المكان كان أشبه بجزيرة أمل صغيرة وسط بحرٍ من الرعب، حيث اعتقد الجميع أن جدران المستشفى ستحميهم من الموت المتربص خارجها. لكن اللحظة التي اخترق فيها الصاروخ سماء الليل، انقلب المشهد رأسًا على عقب. دوّت الانفجارات في أرجاء الحي، ثم ارتجّت جدران المستشفى كأنها تنهار فوق القلوب قبل الحجر. في ثوانٍ، امتلأت الردهات بصوتٍ واحد: صراخ يختلط برنين الزجاج المتكسر، وأجساد تتساقط تباعًا بين أسرة المرضى وأفرشة النازحين. الهواء غطّته سحابة كثيفة من الدخان والرماد، ممزوجة برائحة البارود والدم. بعض الأمهات جرت تحمل فلذات أكبادها الملطّخة بالغبار، غير مدركات إن كانوا لا يزالون يتنفسون. آخرون ظلّوا عالقين تحت الركام، وأصوات الاستغاثة تتلاشى بين أروقة امتلأت بجثث هامدة وجرحى يئنّون بلا مسعف. في باحة المستشفى، ارتسمت لوحة مأساوية: نعوش بشرية على الأرض، أطباء يصرخون في عجزٍ كامل، وأطفال يبكون بجانب أجساد ذويهم بلا حيلة. حتى أكياس المصل والضمادات لم تجد وقتًا كي تلامس الجراح، إذ كان الدمار أسرع من كل محاولة لإنقاذ حياة. خارج الأسوار، علا الغضب والذهول. عواصم العالم ترددت فيها كلمات "مجزرة" و"جريمة حرب"، بينما الصور القادمة من **حي الزيتون** لم تحتج إلى ترجمة؛ كانت الشهادة مكتوبة بالدم والنار. ومع ذلك، ظلّ المستشفى المعمداني شاهدًا صامتًا على مفارقة قاسية: أن يتحوّل المكان الذي وُجد للشفاء والعلاج إلى مسرحٍ للموت الجماعي. في تلك الليلة، لم تُقتل فقط أرواح 471 إنسانًا وأكثر من ذلك بكثير من المصابين، بل قُتل الأمان نفسه. تحوّل المستشفى إلى قبرٍ جماعي، وأضحى رمزه الطبي شاهداً على لحظة انكسار الإنسانية، حيث التقى **الحصار والرصاص** في مشهدٍ واحد لا يُمحى من ذاكرة غزة.